الحب ,,, وما أدراك ما الحب !!
هذا الكلمة الصغيرة في حجمها , العظيمة في محتواها , لو سطرت فيها الأسفار , و أفنيت فيها الأحبار لما أوفيت حقها , إنها نعمة من الباري جل وعلا يفيض بها علينا لننعم بالحب فيما بيننا .
فبالحب تعطف الأم على صغيرها , ويحنو الأب على وليده , ويناجي المحب حبيبه , وينصر الأخ أخاه , وما بكم من نعمة فمن الله .
بالحب تلين القلوب القاسية , وتنتعش الآمال المنكسرة , وتتفتح الورد , ويضحك الزهر , وبه يزغرد الطير , ويناغي الصغير .
إنه عصب الحياة , ونهر الخلود , وميدان السعادة , وجمال الطبيعة , ومنحة المولى لعباده كي يتحابوا فيما بينهم .
لو لم يكن للحب شرف إلا أنه صفة من صفات الباري جل وعلا لكفاه فضلا ورفعة ( إن الله يحب المحسنين , يحب التوابين ويحب المتطهرين ) .
بالحب تتقدم الأمم وتنهض , وبالحب تتقهقر العداوات وتدحض , وبالحب يكون تقارب الأصدقاء , وتزاور الأخلاء , وتلاقي الفرقاء , وتصالح الأعداء .
الحب صفة الأنبياء والصالحين , صفة النبلاء والمتقين , صفة العقلاء والعاشقين .
ابيضت عينا يعقوب من الحزن بسبب حبه لولده يوسف , وبكى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بكاء شديداً على فراق عمه وموته على الكفر , وذلك بسبب الحب ( إنك لا تهدي من أحببتَ ) .
سطر التاريخ أروع قصائد الرثاء التي رثت بها الخنساء أخاها صخراً , حتى ليظن القارئ لها أن صخراً لم يكن مجرد رجل , بل كان أسطورة من المكارم والأخلاق , كل ذلك فعلته الخنساء بسبب الحب . إنه حب الأخت لأخيها حباً نقياً طاهراً لا تعتريه الماديات , ولا تدنسه الشهوات .
ما بال كثير من الناس يتوجس ريبة من لفظ الحب , وكأنه بريد الفحشاء , وطريق الخنا , كلا والله , فمن عادى الحب فقد عادى الحياة الكريمة , وأفصح عما يكنه بين جنبيه من نفس لئيمة . ألم يقل الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام عن عائشة إنها أحب الناس إليه ؟؟؟!! أليس هذا توظيفا للحب بمعناه الأسمى , وجوهره الأصيل .
الحب كلمة طالما رددها شعراء الجمال , وعشاق الكمال , وأصحاب القلوب الرقيقة التي تكن لمحبوبها من الوجد والحب ما يصل لمرحلة العشق والولَه .
كم حفظ لنا التاريخ سير أولئك العاشقين الذين أتحفونا بالدرر من شعرهم تولُّهاً وعشقاً لمحبوبيهم , وهو حب طاهر عفيف , لا تستطيع القلوب كتمانه , ولا تتحمل الضمائر إخفاءه .
ما أجمل الحب وهو يجمع بين طيف حبيبين وسط جنح الظلام يتناجيان الهوى , ويعتلجان الشكوى , ويبثان الحرقة والأسى .
إن المحب يمتلك قلباً أرق من النسمة , ووجها تعلوه البسمة , دائم التفكير , نقي الضمير , لا يحقد على أحد , ولا يتمنى السوء لقريب أو بعيد .
إن من لا يعترف بالحب فإنها لا يعترف بالحياة , ولا يمتلك من مقومات الإنسانية أكثر مما يملكه الصخر الصلد , وقد صدق القائل – ولله دره - :
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى # فكن حجراً من يابس الصخر جلمداً
الحب باختصار - يا سادة – يبدأ بحرف الحاء الذي يصاحب خروجه اهتزازُ الصدر والفؤاد , وتنتهي بحرف الباء المشددة التي تطبع قبلة قوية على جبين المحبوب أو ثغره .